مجلة اماراباك العلمية المحكمة، المجلد 12، العدد 41 لعام 2021
” تطور الخطاب السردي وتجدده في الرواية العربية”
فايز صلاح قاسم عثامنة(1)
الملخص: يمثل السرد حضوراً فاعلاً في حقل الدراسات النقدية الحديثة، ويعد ذلك أثراً فاعلاً يخدم طبيعة الأعمال الأدبية من حيث: تحليلها، وبنيتها، ومختلف مكوناتها الأخرى، التي ترتبط بالخطاب السردي وتحولاته على وجه التقريب. وانطلاقاً من فكرة البحث: “بمواكبة التطور السريع من نظريات ومفاهيم وتصورات…” جاء هذا البحث يلبي تبيان تلك التطورات والمتغيرات، التي شهدتها الرواية العربية المعاصرة شكلاً ومضموناً.
ومن الأسئلة المهمة المطروحة التي تحتاج إلى إجابة البحث عنها، وتشكل نواة حقيقية لكثير من موضوعات البحث: هل يستفاد من التطورات في حقل الدراسات السردية على وجه الخصوص؟ وهل أصبح بمقدور الرواية والقصة استيعاب تلك التطورات وتداولها على الصعيد البنائي لمختلف مستويات الخطاب السردي؟ وهل ترك التطور والتجدد أثراً يستفاد منه على مستوى التحليل النصي الذي يخدم المتلقي ويلتقي معه؟ ذلك ما يهدف إليه البحث في التبصر والتنوير والرؤية، من خلال تبيان هذه المحاور بتفحصها وتتبعها في روايات عربية مختلفة واكبت وأطرت لتلك المتغيرات.
أمَّا عن المنهج المُتبع في هذا البحث، فهو منهج علم النص، وقد تَوخِّينا فيه الإيجاز بناءً على شروط وعاء النَّشْرِ.
وقد أُرْدِفَ البحث بخاتمة، أهمُّ ما جاء فيها أنَّ تطورات الخطاب السردي ينبغي أنْ يكونَ هذه العين الدَّاخليةَ التي تُركِّزُ أشِعةَ التحليل على العملِ الروائي مُستخلِصةً العلاقات والآليات التي من شأنها تحقق الاتساق النَّصِّي السردي الذي يخدم طبيعة المادة الأدبية.
الكلمات المفتاحية: تجديد الخطاب، علم السرد، السرد، علم النص، التلقي، الرواية العربية.
The evolution of the narrative discourse and its renewal in the Arabic novel
Fayez S. Q. Athamneh(1)
Abstract: Narration represents an active presence in the nature of literary works in terms of their analysis, structure, and other elements which are related to narrative discourse and its transformation in particular. In line with the conference theme ‘keeping abreast with the transformations and rapid changes in the theories, concepts, and visualization…’, this study was conducted to elaborate on these transformations and changes in the contemporary Arabic novel regarding form and content.
The study attempts to answer the following overarching questions: would these transformations be useful to the study of narratives in particular? Have the novel and the story become suitable to incorporate these transformations and apply them at all levels of narrative discourse? Has this transformation been influential at the level of textual analysis which is of use to the reader and meet his/her expectations? Thus, the study aims to elucidate and to give insight to these questions by examining several Arabic novels which have applied and set a framework to these transformations.
Textology was utilized as a methodology for this study. The researcher has taken into account the conditions for publication, which explains the shortness of the study.
The study concludes that transformations in narrative discourse should be employed as perspectives in novels analysis to investigate the relationships and the mechanisms, which can be utilized to achieve textual harmony in narratives to serve the nature of literary of works.
Key words: speech renewal, narratology, narrative, Textology, reception, Arabic novel.
المقدمة
تعد السرديات من الحقول المعرفية الحديثة التي ازدهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، ودخلت في مختلف الاختصاصات الأخرى تنهل من معينها ما يواكب حركة التطور والتجدد في مختلف مناحي الحياة على الصعد كافة، فهو: “ربيب الفكر البنيوي”[1]، وبهذا الأخذ والسبق، ينطلق البحث من فكرة محاوره الرئيسة، من خلال: ربط، ورصد، وتتبع حركة الرواية العربية[2]، بتحولاتها في مساراتها كافة.
حاول البحث الاستجابة لرصد تلك المتغيرات من خلال تتبع نماذج معينة من الروايات العربية التي واكبت حركة التطور والتجدد، فقد حدثت تطورات ليست بالقليلة في الخطاب السردي بين القديم والجديد، وظهرت تقنيات عدة تبناها الخطاب السردي وعمل على توظيفها بفنية واقتدار في الرواية العربية الحديثة، لوحظ تمثلها لدى كثير من الكتاب العرب المبدعين، أمثال: نجيب محفوظ، واسيني الأعرج، الطيب صالح، غسان كنفاني، صنع الله إبراهيم، شكري المبخوت، البحث عن وليد مسعود… وآخرون كثر لم يتسع وعاء النشر لرصدهم وتتبع مساراتهم التجديدية.
جاء في الجزء الأول من البحث رصدٌ للتحولات والمتغيرات السردية في الرواية العربية، ثم تبيان مدى استيعاب التحولات وتداولها على الصعيد البنائي لمختلف مستويات الخطاب السردي، ومن ثم تتبع أثر التحولات على مستوى التحليل النصي لدى المتلقي، وأخيرًا ذُيِّلَ البحثُ بخاتمة لخصت أبرز النقاط الرئيسة التي خلص إليها الباحث يستفاد منها في أعمال أخرى.
رصد التطورات السردية والمتغيرات في الرواية العربية:
شهدت الرواية العربية المعاصرة جملة من التطورات مست الشكل والمضمون[3] منذ نشأتها في الوطن العربي، وقد مرت بمراحل متعددة، وتعرضت إلى كثير من التغيرات بين شد وجذب في مختلف موضوعاتها منذ القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر: “بدأت السرديات الحديثة مخاضها العسير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إثر انهيار النسق التقليدي في الثقافة الموروثة، وتفكك المرويات السردية القديمة، وانكسار الأسلوب المتصنع في التعبير، لقد انتزعت الرواية الآن –وهي لب تلك السرديات- شرعية كاملة كنوع أدبي يحتل المرتبة الأولى في أدبنا الحديث…”[4]
وانطلاقاً مما سبق، سيتم رصد التطورات بتتبع المحور المذكور أعلاه، لنماذج معينة من الروايات العربية التي واكبت تلك الحركة، فما بين القديم التقليدي والجديد الحداثي حدثت تطورات كثيرة في الخطاب السردي، منها: التوازي السردي، والمفارقات الزمنية، تداخل الأحداث، تقاطعات سردية، تيمة الحرب، الأمكنة الجديدة، وتطور الشخصية، تعدد الرؤى السردية: الرؤية من الداخل والرؤية من الخلف..، تعدد الضمائر السردية: ضمير المتكلم وضمير الغائب، تعدد الرواة، تعدد الأساليب: السرد والحوار والمونولوج، تعدد الخطابات المختلفة، البنية الزمنية وتقاطعاتها وتداخل الماضي والحاضر.
يعد نجيب محفوظ الأديب المصري ذائع الصيت، المؤثر الأول والمؤسس الفعلي لبلورة وتجدد الخطاب السردي في القص الروائي، والانتقال بالرواية العربية من دور التقليد والريادة إلى طور التجديد والريادة؛ ضمن منطلقات محددة ورؤى ثابتة، محافظة نوعاً ما على معطيات وجد أنها تصلح لهذا النوع والجنس الأدبي الحديث: “ينجز نجيب، عبر منظومة الرواية بأكملها شكلاً جديداً من أشكال الوجود المتكامل، حيث يكتسب كل شيء وجوده من وجود الشخصية نفسها. لا من قوالب متوارثة –مستقلة- لقد أصبحت اللغة والشخصية كائناً واحداً… هذه هي بلاغة السرد…”[5]
لوحظ لدى نجيب محفوظ محاور عدة لتلك التغيرات والتطورات، نجملها في لغة السرد، والحوار، والرؤية السردية، والزمان والمكان. وقد تمثلت هذه المحاور في رواية: “اللص والكلاب”[6] على سبيل المثال لا الحصر: “وهي رواية كتبها نجيب محفوظ سنة 1961، وتعد من أشهر رواياته بعد الثلاثية، تمثل الرواية بداية مرحلة جديدة في أدب نجيب محفوظ، وهي المرحلة الفلسفية أو الذهنية، تناقش الرواية أفكار البعث والموت ومعنى الوجود، وبحث البطل عن العدل الضائع[7]؛ ثبت ذلك في منظوره السردي من خلال تلك الرواية…”[8]
وفي تتبع مسار التطورات لحركة البنية السردية في رواية: “أولاد حارتنا” للكاتب نفسه، فقد لوحظ في عملية البناء السردي[9]، باختفاء الراوي العليم ويترك المجال للشخصيات لإدارة الكلام بلسانها دون تدخل من السارد، وكذلك فنية تكافؤ السرد لدى شخصيات مختلفة تدير دفة الكلام فيما بينها، واستخدام فنية زمن السرد ومفارقاته وتداخله، ميز هذه الفنية في الرواية الحديثة عما سبقها من روايات تخفي السارد وحياده حيال مختلف مناحي الرواية؛ ليتسنى للقارئ أن يكون في حالة استحضار ذهني، ويعد هذا من أنواع تطور الخطاب السردي في الرواية العربية: “إن البناء الروائي في فن نجيب محفوظ ذو تيارات عدة، فقد يكون المغزى الروائي العام هو إحياء خاص بأكمله، مسجلاً به حركة الزمن كما في الثلاثية… وقد يكون الهدف في البناء هو بث فلسفة لفكرة الحياة في مجراها العام فيتخذ من أشخاصه ما يمثل تلك الفلسفة، وعن طريق النظرة الموضوعية مع التوازن النفسي داخل إطار الشخصية، وعلاقتها بغيرها، وصراعها الفكري، نتبين من وراء هذه اللوحة ما يود الكاتب أن يقوله…”[10]
لوحظ ذلك الابتكار لدى الكاتب والروائي المصري: “صنع الله إبراهيم” في مختلف أعماله الموسومة بالجدة والحداثة كما في رواية: “اللجنة” و “ذات” و “بيروت بيروت”. “ففي رواية: “اللجنة”، ينسج الفعل الغريب أهمً الوظائف السردية الرئيسية، فاللجنة في حد ذاتها، في تركيبها وغرابة تصرفات أعضائها وما يكتنفها من غموض، تجعل القارئ متردداً أمام مدى صلتها “بالشرعية اليومية غير المتغيرة” ويتأكد هذا المعنى لدينا عندما نتأمل في علاقتها بالراوي، فهو في حد ذاته يتعامل معها باعتبارها قدراً محتوماً لا مرد له ولكنه يجابه بأوامر تخرج عن إطار الحياة الواقعية…”[11]
وفي روايته لواقع الحال المعيش، وسعيه الحثيث في تأطيره في منجزه الروائي، لوحظ عجزه عن استيعاب الواقع المفروض عليه؛ لأن قيمه تتعارض وقيم المجتمع الذي تمثله، ذات تقبع في داخله أحدثت له جملة من الانكسارات ومن الأسئلة، التي بقيت مفتوحة دون إجابة عنها: “ويعد صنع الله إبراهيم من الروائيين الذين سلكوا هذا النهج التوثيقي في أكثر من عمل روائي، كما في (تلك الرائحة) و (نجمة أغسطس) و (اللجنة) و (بيروت بيروت) إذ يتخذ من الخطاب التسجيلي التوثيقي للحقائق بديلاً يدمر التخييل الروائي، حيث تستند الرواية لديه إلى جملة من الأحداث الخاصة والعامة. ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية، منها ما هو تاريخي، وكثير منها معاصر، وهو ما يجعلها محملة ببنية معرفية ثقافية ضخمة مؤطرة ببنية جمالية فنية. لتتحول إلى (حقيقة فنية بعدما كانت حقيقة تاريخية).[12]
ومن النماذج العربية التي واكبت مسايرة التحولات الاجتماعية والمعرفية، رواية: “البحث عن وليد مسعود”، وهي من الروايات النادرة التي استطاعت أن تستوعب حقباً تاريخية معقدة: “إن اختيارنا لرواية “البحث عن وليد مسعود”، يعود أساساً إلى اهتمامنا بالشكل الروائي الذي قد أثبت، على الرغم من حداثته في سياق تطور أدبنا العربي، قدرته على مسايرة التحولات الاجتماعية والمعرفية، وذلك بفضل ارتباطه الوثيق بالبنيات السوسيو ثقافية التي ظلت محايثة لتبلور مضامينه وأشكاله…”[13]
ومن الروائيين العرب الذين طوروا وأدخلوا تقنيات جديدة في الرواية العربية، يذكر غسان كنفاني، فقد طور من رؤيته العميقة في العملية التعبيرية الإبداعية والتجديد في الرواية لغة وأسلوباً، والخروج عن اللغة المألوفة، في مختلف أعماله الروائية، منها على سبيل المثال لا الحصر، رواية: “عائد إلى حيفا”، تجسد الرواية حب العودة إلى البلد، تدور أحداث الرواية على طريق حيفا عندما يقرر بطل الرواية سعيد وزوجته الذهاب لمدينة حيفا، لتفقد طفلهما الذي تركه رضيعاً عام 1948م تغطي الرواية عدداً من المفاهيم، منها مفهوم المواطنة والوطنية، ويرجع لذاك الطفل الذي تركه رضيعاً ليجده ضابطاً بالجيش الإسرائيلي تبنته عائلة من إسرائيل، مأساة عائلة سعيد تطرح مفهوماً مختلفاً عما كان سائداً لمعنى الوطن في الخطاب الفلسطيني، حديث كنفاني فيها يسير وعميق، ويظهر الإبداع من خلال تشبيهاته، تعج القصة بالمواقف التي تحمل شحنات غير اعتيادية من الانفعال.[14]
أما عن رواية: “رجال من الشمس”: فقد صدرت الرواية في بيروت عام (1963م)، كانت من أوائل الأعمال الروائية الفلسطينية، التي تتحدث عن حياة التشرد والموت والحيرة، يروي فيها حكاية ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتفون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب إلى الكويت، تتمحور الرواية حول هدف واضح ورئيس هو الوصول، يقرر الثلاثة الهرب في خزان شاحنة يقودها أبو الخيزران، وفي نقطة الحدود يموت الفلسطينيون الثلاثة لأن السائق يتأخر عليهم، “رجال في الشمس”: هي الصراخ الشرعي المفقود.[15]
كانت تلك بعضاً من روايات وقصص الكاتب والروائي والقاص الفلسطيني غسان كنفاني، تحدثت جميعها عن النضال الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، وكفاح الشعب الفلسطيني في قوالب فلسفية ورومانسية.
ومن النماذج الروائية الأخرى التي ظهرت وأحدثت تطوراً ملحوظاً في الشكل والمعنى، رواية: “الطلياني” لشكري المبخوت[16] الحاصل على جائزة البوكر للعام(2015) عن روايته “الطلياني”، فقد وصفها في أكثر من مجال بأنها ليست سيرة ذاتية بقدر ما هي سيرة جيل بأكمله عايشه شكري بآلامه وطموحاته وأحلامه…، وعبد الناصر بطل الرواية، يعبر عن هذا الجيل بكل تناقضاته، “والتحدي الذي خضته هو أن أكتب قصة جيلي سردياً، ومسيرة بلد يعيش تلك التحولات والتناقضات والأزمات، لا أعرف متى بدأ الجميع في العائلة الموسعة وفي الحي ينادون عبد الناصر بالطلياني، غير أن نسبته إلى بر الطليان قويت وترسخت على مر الأيام وازدادت وضوحاً وتبلوراً، وهذا أول اختلاف ميز عبد الناصر داخل العائلة ولفت إليه الانتباه بحيث أصبح محط الأنظار منذ صغره…”[17]
بالرغم من تحفظ شكري المبخوت لذلك التحول الذي لم يتحقق بهذه السرعة، معرباً عن ذلك في إحدى مقابلاته الصحفية، قائلاً: “لا تزال تبحث عن صوت يميزها عالمياً، الحضور فقط ليس كافياً ولكن الرهان أن تساير الإنتاج العالمي من روايات ممتعة ورائعة تعبر بعمق عن الوجع الإنساني…”، إن رواية الطلياني، قدمت أسئلة فلسفية متعددة حسب النقاد وحسب الكاتب نفسه، الذي يعتبرها اقترحت أسئلة جمالية وأسئلة فلسفية، من بين الأسئلة الجمالية في نظري منزلة الراوي في الرواية، لكن السؤال الفلسفي الأساسي في رواية: “الطلياني” هو سؤال الحرية في مجتمعات رجعية لا تؤمن بالحرية الفردية، ويقول الكاتب في هذا الصدد: “إن هذا السؤال أربكني ما يجمع بين الشخصيات، هو: بحث يسعى إلى بلورة مسار فردي قائم على الحرية الفردية، يخفق بطبيعة الحال لأن هذه المجتمعات المحافظة لا تؤمن بالحرية الفردية، هذا الفرد مقموع في جسده في خياله في لغته وليس مقموعاً سياسياً فقط، ومن هنا، يتساءل الكاتب هل يمكن أن نصنع مجتمعاً حراً بأفراد مستعبدين: “كان الاحتقان قد بلغ أشده، حالة من الفوضى قد عمت الجامعة، ظهر مشروع وزير التعليم العالي ابن ضياء الذي كان يعني بالنسبة إلى الطلبة تخلي الدولة عن تمويل الجامعة في إطار سياسة التعديل الهيكلي المفروضة من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي… قامت الوزارة بتفعيل قانون (1973)، الذي يمنع الاجتماعات غير المرخص لها وأضافت إلى ذلك عقوبات جديدة…”[18]
وبتدقيق النظر في هذه النماذج المقدمة لوحظ أنها اتسمت بجدة موضوعاتها وطرافة بنائها المعماري، خطابها السردي جاء مغاير تماماً للنهج التقليدي السابق، فغدا الكاتب يسلك ويتتبع طرقاً حديثة من حيث انتقاء الملفوظة والأحداث والأقوال المعبرة عن واقع الحال المعيش: “وهذا يقتضي أنه (الخطاب) عبارة عما نعبر عنه بلغة القول أو الفعل، وبصورة مباشرة (الخطاب المباشر) أو غير مباشرة (الخطاب غير المباشر) أو هو، بتعبير آخر: نظام العقل الذي نعقل من خلاله الأشياء، ونصرف إزاءَها بمقتضاه، إنّه نظام الوعي الواعي بنفسه، وبما هو وعيٌ به، وبما هو وعي فيه، وله أو لأجله…”[19]
وخلاصة القول: لوحظ أن تلك النماذج المختارة، واكبت حركة الخطاب السردي الحديث بمختلف تجلياته[20]؛ من أبنية، ودلالة، ومعنى، وتمت معالجة النصوص السردية بطرائق منهجية حديثة، تجذر ذلك منذ انطلاقة الرواية العربية في القرن التاسع عشر، وظهر هذا الأثر الجليّ في الربع الأخير من القرن العشرين، ويعد ذلك طبيعياً بالنظر للتحول والتغير الذي لحق بالمجتمعات من تطور وتجديد على الصعد كافة: “والرواية العربية في القرن التاسع عشر تمثل الحراك الثقافي العام الذي وقع في الثقافة العربية، بما في ذلك منظومة القيم العامة، والذوق الأدبي السائد، والتصورات الجماعية عن الذات والآخر، كما يتجلى ذلك عند “خليل الخوري” و “فرنسيس مراش” و “سليم البستاني” و “علي مبارك” و “جورجي زيدان” و “المويلحي” وغيرهم. وهي تخوض الآن تجربة الرهانات الكبرى في التمثيل، فتسهم في صوغ تصوراتنا عن عالمنا بأنساقه الثقافية والقيمة والدينية، وصراعاته وتناقضاته الكبرى…”[21]
استيعاب التحولات وتداولها على الصعيد البنائي لمختلف مستويات الخطاب السردي:
انطلاقاً من المحور الأول في البحث، نستطيع أن نتعرف على طبيعة التحولات وديمومتها في الخطاب السردي، ومدى صدقيتها واستفادة مادتها الأدبية من المعطيات، التي تعد محسنات تتموضع في بنية النوع دلالة ومعنى؛ بتقفية تحركاتها الزمانية والمكانية: “إن الزمن -في وجه من وجوهه- قرينُ المكان، وهما يمثلان –معاً- عنصريْ الإطار بوجهيه الزماني والمكاني، فهما متلازمان من هذا الوجه باعتبارهما مكتنفين ضرورةً فعلَ الإنسان…”[22]
وبتدقيق النظر في أغلب الأعمال الروائية، التي واكبت التطورات والتحولات في خطابها السردي، لوحظ أنها استفادت من المعطيات وغدت تواكب الأعمال الروائية العالمية، شكلاً ومضموناً ودلالة، وتقدم تفسيراً مغايراً على الصعيد النقدي: “فمنذ انطلاق صيرورة الرواية العربية الحديثة أواخر القرن التاسع عشر، وهي تعرف تطورات وتحولات في الشكل والموضوع، بفعل تطور بنيات المجتمع ونمو بنياته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وقد شهدت صيرورة الرواية العربية محاولات متعددة غير أن هذا الأمر لا يخلو من صعوبات، حيث إن هذه الصيرورة تختلف من بلد إلى آخر، بسبب تفاوت الإنتاج الروائي بين البلدان العربية، مما جعل صيرورة الرواية العربية تعرف ازدهاراً مبكراً في بلدان عربية وتتأخر في بلدان أخرى، بفعل اختلاف وتفاوت الشروط الاجتماعية والثقافية بين البلدان العربية”[23]
إن حركة المثاقفة الاجتماعية –تحديداً-، استوجبت من دارس الأدب والنقد أن يواكب تلك التطورات ويرصدها ضمن رؤية معينة، يقدم من خلالها نقداً هادفاً وبناءً على الصعد كافة: “في ضوء هذا الفهم لعلاقة تحولات الرواية بتحولات الواقع، ينتفي عن الرواية العربية طابعها التصويري الانعكاسي للواقع لتغدو بحق الطريقة التي يخاطب بها المجتمع نفسه…”[24]؛ فقد رُصِدَت مظاهر مختلفة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بتيني خطاباً خاصاً تجديدياً يحوم حول المنجزات الإنسانية التي تخدم طبيعة المادة الأدبية من أجل إنسانية الإنسان ذاته: “إن المبدع ابن البيئة والمجتمع الذي ينتمي إليه، ولا بد أن يظهر الموروث الثقافي في أعماله بشكل أو بآخر…”[25]
وبهذا يكون الأديب قد قدم رسالته على أكمل وجه، لدى مجتمعات إنسانية بأمس الحاجة لمثل هذه المنطلقات الإيجابية والجادة في مواطن كثيرة: “فقد بنى محمود أمين العالم جسوراً بين فكر النهضة العربية والمرحلة التاريخية التي يعيش فيها، بجعل خطابه نصاً مفتوحاً على الآخر، يدعو إلى حوار دائم بين جميع الحضارات، مما مكن أعماله بانتشار واسع وبتأثير نوعي متميز أدى إلى تأسيس منهجي لمشروع فكري معاصر في الثقافة العربية، يجمع بين إنتاج المعرفة ونقدها، وظل على عطائه حتى رحل عن دنيانا في العاشر من يناير 2009”[26]
ونظراً لتداول المعطيات الثقافية الجادة، نتج سرد جديد مختلف عنه في الخطاب الروائي الكلاسيكي، وظهرت ألوان تقنية سردية جديدة، مثل: التناص، المسرحة، التقعير، الاسترجاع، الاستباق، التغريب، الإيجاز، العجائبية، تداخل الأزمنة…، مما سمح بالتقاء النصوص السردية وانفتاح الرواية على باقي الأجناس الأدبية الأخرى: “اتجه الروائيون إلى التخلص من الشكل الواقعي بتجريب أشكال روائية جديدة، بحيث تحولت بوصلة الرواية من المجتمع نحو الذات وتراجع صوت الأيديولوجيا والتاريخ والجماعة في النص الروائي لفائدة صعود صوت الذات والفرد والوعي، وأصبح الروائي واعياً بالبناء “الاستيطيقي” (الجمالي) للشكل الروائي أكثر من اهتمامه بجانب المضمون وتجديد الواقعية وتطعيمها بأشكال ووسائل تعبيرية أخرى؛ لوحظ المزاوجة بين الفانطاستيك (العجائبي) والأسطورة والمحكيات الموروثة، واللجوء إلى استعارة سردية كتب التاريخ والقصص الشعبية وتقنيات الصحافة والسينما والوثائق…”[27]
وبإمعان النظر في مستويات العمل الروائي (مفهوم الحكي)، عند كل من: “جيرار جينيت” و “سعيد يقطين”، قدم كل منهم رؤيته الخاصة بهذا الجانب، فقد ميزوا في السرديات البنيوية بين مستويين للحكي: القصة، وتسمى أيضاً الحكاية؛ والخطاب، (السرد): بمعنى الطريقة التي تحكى بها القصة، وما يهم في الخطاب ليست الأحداث، إنما الطريقة التي يروي بها السارد القصة؛ فبعض الباحثين يستعملون مفهوم السرد: “Narration” بدل الخطاب: “Discourse”[28] فظهر الخطاب الساخر والخطاب الواقعي والذي كان غالباً هو أساس تشكيل العمل الروائي، كما ظهرت ملامح “الفنتازيا” و “العجائبي”، كما تمّ التلاعب بالراوي العليم والاستفادة من السيرة الذاتية، فظهر الكاتب داخل النص الروائي باسمه وتحدث في بعض الأحيان ذاته بشكل معلن: “شهد القرن الأخير من القرن الماضي تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية، أدت إلى تغير كثير من المفاهيم السائدة عن مفهوم المجتمع، والذات والعالم، والثقافة، والأدب، والشعر والنثر، وأهمية النقد، ودور الناقد، والموقف من التراث، وجدوى الأدب وغاياته، ودور الأديب في المجتمع، وحقيقة تفاعله مع قضاياه، وتعددت التيارات الفكرية الرافضة للقديم وتوجهاته، المطالبة بنسق فكري قادر على تلبية احتياجات المرحلة المتوهجة ثقافياً، والتوجهات الأدبية المنادية بأشكال أدبية جديدة تستوعب التحولات الدائمة وتعبر عن قضايا إنسان المرحلة وتعكس آلامه ومعاناته…”[29]
وخلاصة القول: للسارد دور فعال وهادف في بنية الخطاب السردي بتحولاته المختلفة، وهو محور العملية الخطابية برمتها في تحريك الشخوص وإدارة أدوارها بفنية واقتدار، من: راوٍ ومروي ومروي إليه، وهو المعني الأساس بتأليف النص وإكسابه قوة الرسالة الجديدة، وهو ركن مهم لتشكيل مستويات النص وتشابكه مع العناصر الأخرى، ولمثل هذا التنوع الفاعل انتقى الدكتور نبيل حداد مجموعة من الروائيين العرب[30]، واكبوا في مسيرتهم تنوع الخطاب الذي عاشته فنون الدراما العربية على حد قوله: “يبرع يوسف إدريس في انتقاء المواضع المفصلية لتحقيق النقلات الزمنية صعوداً أو حاضراً أو استرجاعاً، أو لتطوير الحدث، أو لتحويل المشهد، أو للانتقال من صوت لآخر في عملية السرد. ولعل الفضل في هذا الإتقان يعود إلى عدد من العناصر منها الانتقال الهين أو الخفي من مستوى زمني إلى آخر، أو من صوت سردي إلى آخر، ثم الإرساء المنطقي للانتقال بين السرد والحوار بخاصة، وبين صوت وآخر، ثم هناك التعليل الخفي المنطقي –فنياً- للموقف…”[31]
لوحظ أن هذا الدور الحيوي والفاعل (السارد) قد انحصر قليلاً في: “رؤيته من خارج”[32]: “Vision de dehors”، والتي تكون معرفة السارد أقل من معرفة الشخصية الروائية: “وأنواع السرد التي تنتمي إلى هذا الشكل قليلة بالمقارنة مع الأنواع الأخرى. إن الأشكال السردية التي توظف هذه الرؤية من الخارج لم تظهر إلا في القرن العشرين خاصة مع تيار الرواية الجديدة، الذي ظهر في فرنسا…”[33]
أثر التطورات على مستوى التحليل النصي لدى المتلقي:
تنبثق فكرة هذا المحور من مدى فاعلية المحور الثاني؛ فبعد الأخذ تأتي الاستجابة وتتجلى في الأثر وتنعكس على النص مباشرة، بعد ذلك يأتي دور المتلقي ليقوم بدوره الفاعل (مدى استجابة القارئ): “أما حديث الرازي عن وقع الخطاب في المتلقي فيتلخص في الابتهاج، وإيقاع المبالغة في النفس، مثلما ذكر في كتاب: “نهاية الإيجاز” وقد توسع في هذه المسألة في كتاب: “المحصول في أصول الفقه”، وضبط شروط التلقي والاستجابة في ثلاثة أوجه: كفاءة القارئ المعرفية، كفاءة القارئ اللغوية، كفاءة النص في مختلف أبعاده…[34]
إن التطورات الفنية التي حدثت في تجدد الخطاب الروائي العربي، متعددة في مختلف نماذج ذكر بعض منها فيما سلف من البحث، عملت على تطويع بنية الحكاية النمطية، والانتقال بهاجس التجديد إلى مستوى آخر أكثر تعبيراً وتمظهراً، استوعب تلك التحولات الفنية وكشف عن أدوار مختلفة للراوي والمروي له أبرز مكونات الخطاب السردي: “يتحدث التحليل السردي: “Narratologie” في التفكيرين النقديين الغربي والعربي عن مستويين سرديين يشتركان في إنتاج الخطاب الحكائي، في المستوى الأولي، هناك أحداث تروى، إذن مدلولات يراد تعيينها من خلال دوال معينة ليتم تبادلها مع المتلقي، في هذا المستوى، هناك مرسل ومتلقي يكونان السرد المضمن، هذا المتلقي وإن كان جيء به خيالياً ليكون عنصراً بنائياً يساهم في إنتاج الخطاب الروائي، فإنه مع ذلك يظل وعياً داخلياً ينهض بوظيفة التلقي…[35]
والأدب بشكله العام والخاص يشكل تفاعلاً بين القارئ والنص. ولا شك أن الأدب في شخص الرواية على وجه الخصوص متأثر بهذه التطورات التي تقدم بنية تحولية شكلاً ومضموناً: “ويرى بعض نقاد نظرية التلقي أن النص في ذاته، ليس له أي قيمة تجريبية باعتباره أحد أطراف التواصل الأدبي، فليس أمامنا في أية حال سوى استخدام النص أو ما يطلق عليه عملية النص، التي تتضمن الإنتاج والتلقي معاً، فالنص المبدئي في ذاته والذي لم تمسسه يد القارئ لا يدخل مجال البحث، فنحن لا نلتقي إلا بالنص المؤول الذي باشره الباحث بالقراءة”[36]، كما عبرها “ميشال بوتور” بأن الرواية: “تعبير عن مجتمع يتحول وتصبح أيضاً تعبيراً عن الوعي بالتغيير” أضف إلى ذلك أن تنويع الرؤى السردية ثم تنويع المحكيات مما يجعل من القارئ والمتلقي ينتقل من مجرد مستقبل إلى مشارك رسمي: “وكعادته يعرض صاحب (تحليل الخطاب الروائي) عشرات الآراء حول مصطلح الرؤية والمسميات التي عرف بها عند النقاد المعاصرين كوجهة النظر، والرؤية، والبؤرة، وحصر المجال، والمنظور، والتبئير، ويبين أنها تدور في معظمها حول الراوي الذي تتحدد من خلاله رؤيته للعالم الذي يرويه بأشخاصه وأحداثه، وحول الكيفية التي من خلاله أيضاً تصل أحداث القصة إلى المتلقي مع الأخذ في الاعتبار بعض الفروق اليسيرة في دلالة تلك المسميات”[37]
ودور نظرية التلقي الألمانية مع “ياوس” التي جعلت من القارئ يتفاعل مع العمل الأدبي، في إطار استراتيجيتي الإنتاج والتلقي: “فالأدب والفن لا يصبح لهما تاريخ له خاصية السياق إلا عندما يتحقق تعاقب الأعمال لا من خلال الذات المنتجة بل من خلال الذات المستهلكة كذلك، أي من خلال التفاعل بين المؤلف والجمهور… وفي موضع آخر لذات النظرية أدرك ياوس: “أن تطور دراسات التلقي تمثل إسهاماً في نظرية الاتصال، وتقصد في الدرجة الأولى إلى تقدير وظائف الإنتاج والتلقي والتفاعل، برد الاعتبار إلى القارئ والسامع والمشاهد وهم المتلقون في الدراسات الأدبية، وأن هذا ينفتح مع ما يحدث في المجالات المعرفية الأخرى، بغية الوصول إلى نظرية عامة في الاتصال متداخلة الاختصاصات تشتمل على رؤية إنسانية كاملة”[38]
أضحت النصوص التجريبية تستمد شرعيتها واستمراريتها من التحولات السوسيو اجتماعية[39] والفكرية والسياسية التي يعرفها المجتمع: “لقد أسفر ذلك كله عن توجه عام للربط بين الأدب والمجتمع، وانصبت فيه كل البحوث والدراسات التي كانت في البداية متصلة بفكرة الوعي التاريخي، إذ سرعان ما تحول هذا الوعي إلى وعي اجتماعي يرتبط بطبيعة المستويات المتعددة للمجتمع، وبفكرة الطبقات، وكذلك يرتبط بفكرة تمثيل الأدب للحياة على المستوى الجماعي، وليس على المستوى الفردي، بمعنى: أنه كلما اعتبرنا الأعمال الأدبية تعبيراً عن الواقع الخارجي، كان ذلك مدخلاً لربطها بتفاعلات المجتمع وأبنيته ونظمه وتحولاته، باعتبار هذا المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعية والفنية”[40]، ويمكن ذكر -على سبيل المثال لا الحصر- مجموعة من الأقلام العربية التي استجابت نصوصهم لهذا الاتجاه، وهم: غسان كنفاني، واسيني الأعرج، طارق بكاري، محمد برادة ، الميلودي شغموم، صنع لله إبراهيم …. وآخرون.
واعتماداً على ما سبق، يعد النص مادة حيوية فاعلة مشتركة للتفاعل بين الكاتب والمتلقي[41]، تنبني هذه العلاقة على وحدة متجانسة من التواصل الخلاق والمنتج في الوقت ذاته: “إن التطور الذي حدث في المناهج النقدية الحديثة في العقود الأخيرة منذ السبعينيات، قد أسفر عن تولد تيار جديد في سوسيولوجية الأدب يختلف عن التيار الكمي والتيار الكيفي السابقين، هذا التطور أفاد من معطيات علم جديد نشأ في العقود الأخيرة وهو: “علم النص” وهذا التيار الجديد يطلق عليه علم الاجتماع النص…”[42]
وخلاصة القول: لوحظ أثر فاعل وبناء في كثير من التطورات السردية على مستوى التحليل النصي؛ لدى الكاتب المبدع والمتلقي القارئ في جانب آخر ويعد ذلك الأثر أمراً طبيعياً لا غرابة فيه، فالسرد والنص والخطاب معاً مكونات ومرتكزات رئيسة ومهمة تجمع أطراف السلسلة لا غنى عنهما لعمل الأديب والمتلقي في العصر الحديث، فقد لوحظ هذا التأثر واضحاً لدى كثير من كتاب الرواية العربية، فمنهم: من تأثر بالنهج الغربي، وآخرون تأثروا بما طرأ عليهم في مجتمعاتهم من تغييرات جذرية، وخلخلة في المفاهيم والمصطلحات التواصلية الاجتماعية.
الخاتمة:
أبان البحث عن مرتكزات أساسية مهمة واكبت حركة التطور والتجدد في الخطاب السردي الحديث، يعود ذلك إلى طبيعة التحولات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها المنطقة، فظهر الخطاب السردي بمختلف تجلياته وأبعاده الموضوعية؛ وغدت الرواية العربية اليوم معبرة عن هموم الإنسان وآماله وتطلعاته بخلاف النظرة السائدة سابقاً، التي كانت تأتي لهذه الأعمال (الروائية) على استحياء؛ لوحظ ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- في رواية: “زينب” محمد حسين هيكل، بكتابة عنوان الرواية: (مصري فلاح)!؟، بدلاً من كتابة عنوان الروائي صراحة على الرواية.
ثبت من خلال تقصي النماذج الروائية السالفة الذكر، أن للسارد دور فعّال وهادف في بنية الخطاب السردي بتحولاته المختلفة، وهو محور العملية الخطابية برمتها في تحريك الشخوص وإدارة أدوارها بفنية واقتدار، وهو المعني الأساس بتأليف النص وإكسابه قوة الرسالة الجديدة، وهو ركن مهم لتشكيل مستويات النص وتشابكه مع العناصر الأخرى.
إنَّ تحولات الخطاب السردي ينبغي أنْ يكون هذه العين الدَّاخلية، التي تُركِّزُ أشِعة التحليل على العملِ الروائي، مُستخلِصةً العلاقات والآليات التي من شأنها تحقق الاتساق النَّصّي السردي الذي يخدم طبيعة المادة الأدبية، دون إغفال لمادة النص وحيويته الفاعلة والمشتركة ما بين الكاتب والمتلقي، إذ تقوم هذه العلاقة على وتيرة من التواصل والتفاعل الخلاق المنتج. وبذلك تتحقق الرسالة العملية الإبداعية ووظيفتها، المنوطة بالسارد وأطراف السلسلة الروائية كونها تربط بين الإبداع والمجتمع.
“والله ولي التوفيق”
المصادر والمراجع:
إبراهيم، صنع الله، اللجنة. ط،2، بيروت: دار الكلمة، 1983م.
إبراهيم، عبدالله، موسوعة السرد العربي. ط،1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005م.
آرون، بول، وألان فيالا، سوسيولوجيا الأدب. ترجمة: محمد مقلد، ط،2، بيروت: دار الكتاب الجديد، 2013م.
الباردي، محمد، الرواية العربية والحداثة. ط، 2، اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2002م.
برادة محمد، الرواية العربية ورهان التجديد. ط،1، دبي: دار دبي الثقافية، 2011م.
برنس، جيرالد، المصطلح السردي. ترجمة: عابد خزندار، مراجعة وتقديم محمد بريري، ط،1، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2003م.
تنفو، محمد، النص العجائبي: مئة ليلة وليلة نموذجاً. ط،1، دمشق: دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع، 2010م.
التواتي، مصطفى، دراسة في روايات نجيب محفوظ الذهنية. ط،1، بيروت: دار الفارابي للطباعة والنشر، 2008م.
حداد، نبيل، الإبداع ووحدة الانطباع: قراءات ونصوص في القصة والمسرحية العربية القصيرة. ط،1، عمان: دار جرير للنشر والتوزيع، 2007م.
حداد، نبيل، بهجة السرد الروائي. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث للطباعة والنشر، 2010م.
الحميري، عبد الواسع، ما الخطاب وكيف نحلله. ط،2، بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 2014م.
رجاء، عيد، قراءة في أدب نجيب محفوظ: رؤية نقدية. (د.ط)، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1989م.
السلماني، عبدالغني، الخطاب الثقافي في زمن التحولات: قراءات في المنجز الفكري والنقدي. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، 2016م.
صبرة، أحمد، ومعجب العدواني، التشكل والمعنى في الخطاب السردي. ط،1، بيروت: الانتشار العربي، 2013م.
صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر. (د، ط)، القاهرة: جمعية الرعاية المتكاملة المركزيةـ وزارة الثقافة، 1996م.
صيداوي، رفيف، الرواية العربية بين الواقع والتخييل. ط،1، بيروت: دار الفارابي للطباعة والنشر، 2008م.
قسومة، الصادق، علم السرد: المحتوى والخطاب والدلالة. ط،1، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، 2009م.
كنفاني، غسان، الرجال والبنادق. ط،2، رمال: مؤسسة غسان كنفاني، 2013،
كنفاني، غسان، عائد إلى حيفا. ط،1، بيروت: دار العودة، 1985م.
الفيومي، إبراهيم، قراءات نقدية في الرواية العربية. ط،1، إربد: مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية، 2016م.
القاضي، محمد، وآخرون، معجم السرديات. ط،1، بيروت: دار الفارابي للطباعة والنشر، 2010م.
لحمداني حميد، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي. ط،1، بيروت: المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، 1991م.
المبخوت، شكري، رواية الطلياني. ط،1، تونس: دار التنوير، 2014م.
محفوظ، عبد اللطيف، البناء والدلالة في الرواية: مقاربة من منظور سيميائية السرد. ط،1، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2010م.
محفوظ، نجيب، اللص والكلاب. ط،9، القاهرة: دار الشروق، 2015م.
المديني، أحمد، تحولات النوع في الرواية العربية بين مغرب ومشرق. ط،1، بيروت: منتدى المعارف، 2013م.
معيكل، أسماء، الأصالة والتغريب في الرواية العربية. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، 2011م.
المناصرة، حسين. وهج السرد: مقاربات في الخطاب السردي السعودي. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، 2010م.
ولسون، كولن، فن الرواية. ترجمة: محمد درويش، ط، 1، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008م.
اليوسفي، محمد، فتنة المتخيّل: فضيحة نرسيس وسطوة المؤلف، المجلد الثالث، ط،1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002م.
الدوريات:
إبراهيم، عبدالله. “بناء السرد في الرواية الأردنية المعاصرة”. أفكار،ع،(135)، ، 33 ـ 56، (1999م)
إبراهيم محمد الكاسح، تلقي الخطاب السردي بين النقدين الفرنسي والعربي: مقاربة في النقد المقارن، مجلة الجامعي، ع19، ص ص: 89 ـ 111، 2010م.
الجلاصي، بثينة، جمالية التلقي في كتاب “المحصول في علم الأصول” لفخر الدين الرازي، مجلة الفكر الإسلامي المعاصر، السنة الثانية والعشرون، ع،87، ص: 17 ـ 21، 2017م.
أبو شاويش، حماد وعبد الرزاق إبراهيم. “الاغتراب في رواية: “البحث عن وليد مسعود” لجبرا ابراهيم جبرا”. مجلة الجامعة الإسلامية، مج14، 121 ـ 169، (2006م)
عزت محمود علي الدين، الخطاب الروائي ومضمرات النص: مقاربات حول بنية الشكل وابعاد الموقف عند رجاء عالم. المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل (العلوم الإنسانية والإدارية)، مج12، ع1، ص:135 ـ 213، 2011م.
مسعد، أحلام، وجادالله سحر، التسجيل والتخييل في رواية أمريكانلي لصنع الله إبراهيم. مجلة جامعة القدس للأبحاث والدراسات، ع43، ص ص:222 ـ 230، 2018م.
(1) أستاذ مشارك، كلية الآداب، جامعة الملك فيصل ــ قسم اللغة العربية ـ المملكة العربية السعودية، fathamneh@kfu.edu.sa
[1] للمزيد بخصوص مختلف مصطلحات علم السرد انظر، جيرالد برنس، المصطلح السردي. ترجمة: عابد خزندار، مراجعة وتقديم محمد بريري، ط،1، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ص:142 ـ 161، 2003م.
[2] للمزيد بخصوص تطور الرواية المصرية ونشأتها، قدم محمد الباردي في كتابة عرضاً مفصلاً للمراحل التي مرت بها الرواية. انظر، محمد الباردي، الرواية العربية والحداثة. ط. 2، اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، ص:15 ـ 27، 2002م.
[3] بخصوص التجدد والتجديد الروائي وانشقاق الرواية العربية عن الخطاب القديم، توقف المؤلف مع أربعة مكونات رئيسة، هي: تشظي الشكل والكتابة في صوغها الأدنى، وتهجين اللغة، ونقد المحرمات: الجنس والدين والسياسة، وتذويب الكتابة… للمزيد انظر، محمد برادة، الرواية العربية ورهان التجديد. ط،1، دبي: دار دبي الثقافية، 2011م.
[4] للمزيد بهذا الخصوص، انظر الفصل الثامن، السردية الحديثة والموقف الثقافي، ص:477 وما بعدها عبدالله إبراهيم، موسوعة السرد العربي. ط،1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005م.
[5] للمزيد انظر، نبيل حداد، بهجة السرد الروائي. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، ص:19 وما بعدها، 2010م.
[6] ينطر لتلك المحاور في الجانب النظري من الرواية، “اللص والكلاب“، ص:119 وما بعدها.
[7] للمزيد انظر، مصطفى التواتي، دراسة في روايات نجيب محفوظ الذهنية. ط،1، بيروت: دار الفارابي، 2008م.
[8] للمزيد بخصوص: اشتغال الرؤية السردية في روايات نجيب محفوظ (“اللص والكلاب” نموذجاً) انظر، أحمد صبرة ومعجب العدواني، التشكل والمعنى في الخطاب السردي. ط،1، بيروت: دار الانتشار العربي، ص:389 ـ 416، 2013م.
[9] للمزيد بخصوص: “مكونات الخطاب السردي” انظر، حميد لحمداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي. ط،1، بيروت: المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ص:45 وما بعدها، 1991م.
[10] رجاء عيد، قراءة في أدب نجيب محفوظ: رؤية نقدية. (د.ط)، الإسكندرية: منشأة المعارف، ص:29، 1989م.
[11] للمزيد بخصوص، الوظائف السردية الغريبة، انظر (محمد الباردي، 2002، ص:194 وما بعدها)
[12] للمزيد انظر، أحلام مسعد، وسحر جادالله، التسجيل والتخييل في رواية أمريكانلي لصنع الله إبراهيم. مجلة جامعة القدس للأبحاث والدراسات، ع43، ص:224، 2018م.
[13] قدم الكاتب عرضاً مفصلاً وتحليلاً شافياً للرواية، للمزيد انظر، عبد اللطيف محفوظ، البناء والدلالة في الرواية: مقاربة من منظور سيميائية السرد. ط،1، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، ص:25 وما بعدها، 2010م.
[14] للمزيد، انظر الرواية لغسان كنفاني، عائد إلى حيفا. ط،1، بيروت: دار العودة، 1985م.
[15] للمزيد، انظر الرواية لغسان كنفاني، رجال في الشمس. ط،2، بيروت: دار العودة ومؤسسة رمال، 2013م.
[16] شكري المبخوت، رواية الطلياني. ط.1، تونس: دار التنوير، 2014م.
[17] للمزيد أنظر نفسه، ص:24 وما بعدها
[18] للمزيد انظر، نفسه. ص:79 وما بعدها
[19] للمزيد بخصوص الخطاب وتحليله، انظر، عبدالواسع الحميري، ما الخطاب وكيف نحلله. ط،2، بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص:12 وما بعدها، 2014م.
[20] قدم حسين المناصرة ثمانية أبحاث نقدية عن الخطاب السردي، وهي أبحاث معنية بمقاربة بعض الخطابات السردية من جهة ومقاربة تلقي هذه الخطابات من جهة أخرى، للمزيد انظر، حسين المناصرة، وهج السرد: مقاربات في الخطاب السردي السعودي. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، 2010م.
[21] للمزيد انظر، عبدالله إبراهيم، موسوعة السرد العربي. ط،1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص:477، 2005م.
[22] للمزيد انظر، الصادق قسومة، علم السرد: المحتوى والخطاب والدلالة. ط،1، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، ص:69، 2009م.
[23] محمد بوعزة، النص السردي: تقنيات ومفاهيم. ط،1، ص:20، 2010م.
[24] للمزيد انظر، رفيف صيداوي، الرواية العربية بين الواقع والتخييل. ط،1، بيروت: دار الفارابي، ص:76 وما بعدها، 2008م.
[25] للمزيد انظر، أسماء معيكل، الأصالة والتغريب في الرواية العربية. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، ص:115 وما بعدها، 2001م.
[26] عبدالغني السلماني، الخطاب الثقافي في زمن التحولات: قراءات في المنجز الفكري والنقدي. ط،1، إربد: عالم الكتب الحديث، ص: 135 ـ 136، 2016م.
[27] للمزيد انظر، محمد بوعزة، النص السردي: تقنيات ومفاهيم. ط،1، ص:22، 2010م.
[28] المرجع نفسه، ص:71، 2010م.
[29] للمزيد بهذا الخصوص: “تحولات السرد العجائبي في الخطاب القصصي العربي المعاصر نموذحاً” انظر، أحمد صبرة ومعجب العدواني، التشكل والمعنى في الخطاب السردي. ط،1، بيروت: دار الانتشار العربي، ص:127 ـ 154، 2013م.
[30] وهم: يوسف إدريس، حنا مينه، توفيق عواد، صلاح دهني، أمين عودة، عبدالإله عبدالرزاق، جمال أبو حمدان.
[31] للمزيد انظر، نبيل حداد، الإبداع ووحدة الانطباع: قراءات ونصوص في القصة والمسرحية العربية القصيرة. ط،1، عمان: دار جرير للنشر والتوزيع، ص:27 وما بعدها، 2007م.
[32] افرد محمد القاضي وآخرون شرحا أكثر دقة لمادة: “تبئير” والتي من خلالها عرض لوجهات النظر المتعلقة بالسارد على وجه الخصوص، للمزيد انظر، محمد القاضي وآخرون، معجم السرديات. ط،1، بيروت: دار الفارابي، ص:65 وما بعدها، 2010م.
[33] للمزيد انظر، محمد بوعزة، النص السردي: تقنيات ومفاهيم. ط،1، ص:82، 2010م.
[34] للمزيد انظر، بثينة الجلاصي، جمالية التلقي في كتاب “المحصول في علم الأصول” لفخر الدين الرازي، مجلة الفكر الإسلامي المعاصر، السنة الثانية والعشرون، ع،87، ص: 17 ـ 21، 2017م.
[35] للمزيد بهذا الخصوص: انظر، إبراهيم محمد الكاسح، تلقي الخطاب السردي بين النقدين الفرنسي والعربي: مقاربة في النقد المقارن، مجلة الجامعي، ع19، ص: 92 وما بعدها، 2010م.
[36] للمزيد انظر، صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر. (د، ط)، القاهرة: جمعية الرعاية المتكاملة المركزيةـ وزارة الثقافة، ص:107، 1996م.
[37] عزت محمود علي الدين، الخطاب الروائي ومضمرات النص: مقاربات حول بنية الشكل وابعاد الموقف عند رجاء عالم. المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل (العلوم الإنسانية والإدارية)، مج12، ع1، ص:150 ـ 151، 2011م.
[38] صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر. (د،ط)، القاهرة: جمعية الرعاية المتكاملة المركزيةـ وزارة الثقافة، ص:106، 111، 1996م.
[39] للمزيد انظر، بول آرون وألان فيالا، سوسولوجيا الأدب. ترجمة: محمد مقلد، ط،2، بيروت: دار الكتاب الجديد، ص:26وما بعدها فصل، التاريخ الأدبي والسوسيولوجيا، 2013م.
[40] صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر. (د،ط)، القاهرة: جمعية الرعاية المتكاملة المركزيةـ وزارة الثقافة، ص:35، 1996م.
[41] للمزيد بهذا الخصوص: (سطوة المؤلف ومكائد المكان) انظر، محمد لطفي اليوسفي، فتنة المتخيل: فضيحة نرسيس وسطوة المؤلف. المجلد الثالث، ط،1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص:223 ـ 316، 2002م.
[42] للمزيد بهذا الخصوص: “علم اجتماع النص الأدبي” انظر، صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر. (د،ط)، القاهرة: جمعية الرعاية المتكاملة المركزيةـ وزارة الثقافة، ص:47، وما بعدها، 1996م.